للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله/ أن يتبعه ويعتقد ذلك منه ويطيعه. وهؤلاء الذين اتبعوه وأطاعوه وبذلوا أموالهم ودماءهم، إنما فعلوا ذلك لما اعتقدوه من نبوته، وعرفوه من صدقه، وتحققوه من قوله. ففي كل واحد من هذه الآيات ما فيه أتم الحجة بانفراده، فكيف بترادفه واتصال بعضه ببعض، ولو افردت لكل آية بابا وشرحت ما فيها لكان أولى وإن طال، وأنت متى شئت قدرت على ذلك.

وانظر ما في قوله: «إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا» إلى قوله: «وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ» «١» فتأمل موافقته لهم واحتجاجه عليهم، وليس يدعى أن هذا قوله، بل يقول لهم: هذا قول ربي وربكم، وهو الذي كان وعدكم هذه المواعيد وضمن لكم النصر وقد وفى لكم بجميع ذلك.

وانظر إلى حسن تدبيره سبحانه وتعالى، فإنه ضمن لهم إحدى الطائفتين ولم يقل أيهما هي، وودوا هم أن تكون غير ذات الشوكة فإنها في عدة من الرجال قليلة، وأموالها كثيرة؛ وكرهوا ذات الشوكة لقوتهم، وكثرة عددهم؛ وأراد الله أن يحق الحق بكلماته التي وعد نبيّه أنه يهزم جموعهم وينصر ضعف المسلمين عليهم. ولو قال لهم: إنكم تلقون ذات الشوكة ها لهم ما عاينوا، إذ هم رجّالة وعدتهم قليلة وأولئك خيّالة وعدتهم كثيرة فخافوا أن يبرزوا فيجول عليهم العدوّ جولة يصطليهم فيها فأيدهم بذلك


(١) الأنفال الآيات من ٤١ إلى ٤٤