وإرعابا للكافرين وإيضاحا للمعجزات، وكذا قال الله وقد ذكر نزول الملائكة:«وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ» وقال في موضع آخر/ في هذه القصة: «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ» .
وأما قصة أحد، فليس إذا أنزل الله الملائكة يوم بدر وجب أن ينزلهم يوم أحد، وليس إذا عافى الله نبيه وقتا وجب أن يعافيه في كل وقت بل قد يمتحنه بالمرض في وقت ويكلفه الصبر، وكذا ينصر وقتا بالملائكة ويخليه من ذلك وقتا آخر فتشتد محنته ويلزمه الصبر؛ وإنما يسأل عن هذا من ادعى أن الله ينصر أنبياءه في جميع مواطنهم بالملائكة، وهذا سؤال يذكره ابن الراوندي بعد موافقته أبي عيسى الوراق وابن لاوى اليهودي، وأمثالهم من الملحدة وأعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهذا غاية كيدهم، وقد بذلوا جهدهم واستفرغوا وسعهم فما فضحوا بذلك إلا أنفسهم، ولو سكتوا لكان أستر لهم، ولو آمنوا لكان خيرا لهم، لتعلم أن الإسلام نور لا يطفأ، وأن مطاعن الخصوم فيه لا تزيد إلا قوة كالذهب الذي لا يكلف وكلما سبكته وعرضته على النار زاد جودة وصفاء. وقد كان أعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم في زمانه من قريش، واليهود والنصارى أكبر عقولا وأشد كيدا وأكثر شغلا بالتتبّع على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وطلب عثراته ولهم فضل المشاهدة، فلو وجدوا مطعنا لسبقوا اليه ولوافقوا عليه، فقد كان ينبغي لهؤلاء المتأخرين من أعدائه أن يعملوا هذا فيمسكوا، ولكن الجهل والغباء قد سد مسامعهم وغطّى على أبصارهم، ويأبى الله إلا فضيحتهم وهتيكتهم؛ وهم لم يسألوا عن الآيات التي كانت تنذر ولا عن المواعيد التي تقدمت بها قبل كونها مع كثرة ذلك واعتداد الله به، وما سألوا إلا عن الملائكة ليأسهم من تلك/ وطعنهم في هذه