في سلطان أبي بكر وعمر أنفذ قولا، وأن أولئك كانوا أعرف بحقي منكم، وأني لو كنت الخليفة في زمانهم لكانت طاعتهم إلي أحسن، وكان يقول لعدوه مثل ذلك، ولقد كتب إلى معاوية يتمنى أولئك الذين مضوا من المهاجرين والأنصار فقال:«١»
لو أن عندي يا ابن حرب جعفرا ... أو حمزة الليث الهمام الأزهرا
أو أن لي صدّيقها أو عمرا ... أو من أولاك السابقين معشرا
رأت قريش نجم ليلي ظهرا والخصم في زمانك هذا يقول: ما أسلموا قط ولا لهم إسلام، وأنهم ما زالوا أعداء المسلمين، والذي يعرف أهل العلم والتحصيل أنهم كانوا خاصة رسول الله صلّى الله عليه وسلم/ وبطانته، وأمناءه وثقاته على نفسه وأهله ودينه، وأنه كان يحبهم ويودهم ويجلهم ويعزهم ويواليهم. وأنه قد فرض محبتهم وموالاتهم وأوجبها على الخلق أجمعين إلى يوم القيامة. والعلم بهذا قبل العلم بنبوته، وهو كالعلم بأن عقبة بن أبي معيط، والعاص بن وائل، والوليد بن المغيرة، والنضر ابن الحارث بن كلدة، وأبي بن خلف، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأمثالهم، كانوا أعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأنه قد فرض بغضهم والبراءة منهم إلى يوم القيامة. فما يحتاج في هذا إلى تلاوة آية ولا إلى رواية خبر، وإن كان القرآن مملوآ بذلك، والحديث مستفيضا به. فإن فعلت ذلك فمن طريق الزيادة في الحجة والمظاهرة بالبينة. ولحكاية تلك الألفاظ عمل الناس الكتب في تفضيل القرآن وإن كانوا يعلمون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يفضله ويجله، وكما عملوا الكتب في تفضيل شهر رمضان وإن كانوا يعلمون أن
(١) كتب في هامش الأصل: «من شعر علي بن أبي طالب رضي الله عنه» .