للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» «١» فقدم الدعوى، ثم اتبعه بأدلة العقل فقال عز وجل: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» «٢» فتبين أنه لو كان هاهنا آلهة أخر لقدّم ما أخره هذا وأخر ما قدمه، وسوّد ما بيضه وبيض ما سوده، وإن كان جميع ذلك حكمة، لأنه ليس بمحال أن تنبت اللحى للنساء وأن يكون ابتداء نبات اللحى أبيض كالصلع أو أخضر كالحصرم، أو أصفر كالزعفران، وأن تلد النساء كأولاد الأنعام وأن تلد الأنعام كأولاد النساء، وأن يكون ماء البحر عذبا فراتا وأن يكون ماء دجلة ملحا أجاجا، وأن يولد المولود كامل العقل والقوى والأدوات، كاسيا كيسا كالفروج، عالما بالصنائع من غير تعلم ولا تمرين كفرخ الأوز وعلمه بالسباحة حين يخرج من بيضته، وكعلم دود القز والعنكبوت بالنسج والنحل ببناء البيوت، كل هذا ممكن، فلما جاء ذلك/ على طريق واحدة فلا ينتقض بما نبهت عليه، علمت وتيقنت أنه لا إله إلا هو، وأنه المعتز بالقدم فلا قديم إلا هو، وأن كل موجود ليس هو الله فكائن بعد أن لم يكن.

فإن قيل: فما ينكر أن يكون هناك آلهة جماعة إلا أنها قد وكلت التدبير إلى واحد منها فجرى تدبيره على طريقة واحدة.

قيل له: هذا خلاف ما يعقل وخلاف ما أخرجت العبرة في أن الجماعة لا يتفقون في المشيئة والإرادة والتقدير والتدبير أبدا على طريقة واحدة، ولا فرق


(١) البقرة ١٦٣
(٢) البقرة ١٦٣