فدفعه اليه فقرأه، ثم أقبل على جلسائه فضحك وقال لهم: كتب إليّ يصف لي حسن دينه ويدعو اليه، فما منعه إن كان رسول الله أن يسأل الله فيسلط البحر عليّ فيغرقني فيكفى مؤونتي ويأخذ ملكي، فقال له حاطب فما منع عيسى ابن مريم وهو كما زعمت إذ أخذته اليهود فربطوه في حبل وحلقوا وسط رأسه وجعلوا عليه إكليل شوك وجعلوا على عنقه الخشبة التي صلبوه عليها ثم خرجوا به وهو يبكي حتى صلبوه/ على الخشبة ثم طعنوه بالحربة حتى مات، فما منعه أن يسأل ربه أن ينجيه منهم ويهلكهم ويكفى مؤونتهم ويظهره وأصحابه عليهم، وما منع يحيى بن زكريا حين سألت امرأة زانية رجلا أن يقتله فقتله وبعث إليها برأسه حتى وضعوه بين يديها فما منعه أن يسأل ربه أن ينجيه منها ويهلك الملك.
فأقبل المقوقس على جلسائه فقال: والله إنه لحكيم. وما يخرج الحكيم إلا من عند الحكماء، ما تقولون، قالوا: نقول: صدق أيها الملك، قد رأينا ما رأيت. وعاود قراءة كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم، واحتبس حاطب عنده مدة، وسأله عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعن أصحابه وعن سيرته، وردّه مكرما.
وأرسل النبي صلّى الله عليه وسلم إلى غير واحد من ملوك الشام يدعوهم إلى طاعته. وكان فيمن أرسل الحارث بن عمير الأزدي فقتله شرحبيل بن عمرو الغساني «١» فأنفذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعده غير واحد ولامهم على غدرهم وقتلهم الرسل، وقال لهم: أنتم مغلوبون وسلطاني يعلو عليكم، فأغضب ذلك ملوك الروم ونصارى العرب. وأرسلت نصارى العرب إلى ملك الروم: انتهز الفرصة مادام هذا الرجل في ضعف، فأنفذ جيشا في مائة ألف قاصدا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم بياتوقس
(١) كان ذلك في سنة ٨ من الهجرة، فقد بعثه الرسول بكتاب إلى ملك بصرى، فلما نزل مؤقة عرض له شرحبيل بن عمر الغساني فقتله، وعلى أثر مقتله كانت غزوة مؤنة. الإصابة ١: ٢٨٦