يحدث في كل حين، وتبدو فيه الفضيحة كل قليل مع الملك والقهر والغلبة والسيف والقتل الذريع الذي قد تقدم لك طرف من ذكره، لتعلم أن السبل التي سلكها رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يسلكها عاقل، ولا تخطر بقلبه، ولا تسمو اليها همته، ولا يحدث بها نفسه، ولا يدخل فيها طمعه، إلا أن يكون رسولا لله ونبيا لله وواثقا بوحي الله. ثم هو شيء ما كان في أحد من الأنبياء قط منذ كانت الدنيا، على ما حصله العلماء وأحصوه وبلغهم خبره، أن يكون إنسان ضعيف فقير أجير وحيد معيل مبتدىء مع هذه الحال، فيذكر ملوك العرب وملوك الفرس وملوك الروم حتى يذكر خراسان وملوك الشرك والترك/ وأنه يحويها ويحوزها وهو على تلك الحال، ثم يكاتبهم ملكا ملكا وسيدا سيدا وقبيلا قبيلا وبلدا بلدا يذكرها. ويوصيهم بالقبط وما لهم من الحرمة بمارية القبطية فإنهم يفتحون مصر، ويقول: أبشروا بفتح العروسين غزة وعسقلان، ويذكر دمشق وبيت المقدس، ويسمع ذلك نصارى العرب ويذكرونه لملوك الروم وغيرهم فيغتاظون من ذلك، وتذكر قريش ذلك للفرس.
ولما دخلت رسل المسلمين إلى الشام ولقوا ملوك النصارى بها رأوا بعضهم قد جلس على فرش عالية يرقى اليها بسلم وعليه السواد، وفي رسل المسلمين عبادة بن الصامت الأنصاري، قال: ما هذا السواد عليك وما هذه المسوح التي قد لبستها، قال الملك لبستها نذرا لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام وأفعل وأفعل، فقالوا له المسلمون: سنمنعك مجلسك هذا وو الله لنأخذنه منك، ولنأخذن ملك الملك الأعظم. ثم ساروا من عنده إلى الملك الأعظم من ملوك الروم وأبلغوه الرسالة، فأنزلهم أكرم منزل واحتبسهم عنده مدة طويلة، وخلا بهم، وناظرهم وامتحنهم، وسألهم عن شيء فشيء من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن أمر الإسلام والمسلمين ليلا ونهارا، وكان لهم معه ما هو مذكور، إلى