للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تدبّره من سمعه وفكر فيه علم وتيقن أن الأمر كذلك، فإن القرآن نزل به مذكرا هذه النعمة ومحتجا بهذه الآية وممتنا على المؤمنين فقال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً» «١»

فلو كانت هذه الريح وغيرها من الأمور التي جرت العادة مثلها «٢» لما امتن الله به ولا احتج والعدو والولي يسمعه، [هذا] لا يفعله عاقل فكيف بمن يدعي النبوة. ثم يؤكده بأن يجعله قولا لله وأن الله يذكرهم بهذه النعمة.

ثم قال: «وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً» «٣» لما كان قد تقدم به البشرى، فكانوا يقولون: الواحد منا ما يستطيع أن يذهب لحاجته من العساكر التي قد أحاطت بنا وهو يعدنا بملك اليمن وملك كسرى وقيصر. ثم أذكرهم بقول طائفة أخرى «يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً» «٤» وقد كان قوم من بني حارثة قالوا ذلك أخبرهم الله بضمائرهم في قولهم، ولا يجوز أن يقول ذلك إلا وهو كما قال، ثم قال:

«ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا.

ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا» إلى قوله: «أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ


(١) البقرة ٢١٣- ٢١٤
(٢) هكذا في الأصل، ولعل الأصح «بمثلها» .
(٣) الأنفال ٤٩
(٤) الاحزاب ١٣