للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ» «١» يصف جبنهم وخورهم وخداعهم وأنهم إذا زال الخوف وأمنوا قالوا: فعلنا وصنعنا واجتهدنا، ويظهرون احتقار العدو وإن عادوا عاودناهم، ثم قال/:

«يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ» «٢» يحكي عن هؤلاء المنافقين وعن من قلت بصيرته وعن من في قلبه مرض، أنهم يحسبون أن الأحزاب لم يذهبوا ولم ينصرفوا، وأنهم سيرمون شعثهم مما نالهم من الريح ويرجعون، وأن عسكرا مثل هذا في الكثرة والقوة لا ينصرفون بإزائهم في ضعف وهم مع ذلك في قلة، و «يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ، وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا» »

فأخبر عن أسرارهم وعن ضمائرهم وواجههم بنفاقهم وسوء نياتهم، وهذا لا يفعله إلا نبي واثق بتأييد الله له وبنصره إياه، لأن من صواب الرأي ومحكم التدبير عند الحكماء والرؤساء وطلاب الملك وخطاب الدنيا أن يقبلوا الطاعة ممن أظهرها لهم وإن اتهموا ضمائرهم، وأن لا يردوا ما ظهر من نصحهم ولا يقولوا لهم ليس ظاهركم كباطنكم وأنتم أعداء، ليس هذا من حقوق الرئاسة ولا يسوغ في تدبير السيادة ولا يقع هذا من عاقل إلا أن يكون نبيا، لأن الرئيس إذا فعل هذا حملهم على مكروهه وبعثهم على مكاشفته واستفراغ الوسع في الإفساد عليه وفي قتله. وفي أمثال الحكماء: لا تسمّه عاقّا فيعق، وقال في وصاياه التي ترتضيها العقلاء:

اقبل مقالة من يأتيك معتذرا ... إن برّ عندك فيما قال أو فجرا

فقد أطاعك من يرضيك ظاهره ... وقد أجلك من يعصيك مستترا


(١) الأحزاب ١٤- ١٥
(٢) الأحزاب ٢٠
(٣) الأحزاب ٢٠