للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان أيضا لو لم يكن نبيا لا يأمن أن يكون باطنهم في طاعته مثل ظاهرهم، فإذا قال لهم قد نافقتم وهم بخلاف ذلك لكان طعن في قوله، وإن لم يواجهوه بالكذب قالوه/ من ورائه وذكروه لأتباعه ولمن قد اعتقد صدقه، ويذكرونه لعدوه من اليهود والنصارى. فإنهم كانوا أشد الناس حرصا أن يقع له كذبة أو زلة، فهم كانوا يواجهونه بالتكذيب وليس معهم حجة فكيف إذا صار لهم حجة. فتعلم أنه لم يقل ذلك إلا عن علم ويقين، وهذا باب كبير من الاخبار بالغيوب وهو كثير في القرآن فاعرفه، فهو من الآيات العظام ثم قال لهم:

«لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً» «١» فقد كانوا رأوه صلّى الله عليه وسلم في تلك الشدائد والأهوال، ساكن القلب، طيب النفس يبشرهم بالنصر على هؤلاء وعلى أمم العرب والعجم.

ثم قال: «وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً» .

وقد كانوا يقولون عند قول النبي صلّى الله عليه وسلم وهو بمكة: أني سأصير في جماعات وعساكر فيقولون: ملكنا أبسط وحزبنا أغلب وجندنا أكثر، فأنزل الله إذ ذاك وقبل الهجرة: «أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ. جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ» «٢» فلما رآهم المؤمنون ذكروا هذا الوعد من الله عز وجل فازدادوا إيمانا. ولهذا الوعد نظائر وأمثال كقوله:

«أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا» ومثل قوله: «لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً» «٣» وغير


(١) الأحزاب ٢٣
(٢) ص ١٠
(٣) البقرة ٢١٤