للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك. وقوله: «وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً» لم يرد به الذكر باللسان وإنما أراد الذكر ذكر القلب والفكر في آيات الله ودلائله وحججه، وهذا أعظم الذكرين/ وأجلهما وأنفعهما، والذكر باللسان بعده، ولا يغني عن ذكر القلب شيء البتة. ثم قال: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» «١» فأخبر عن ضمائر المؤمنين السابقين والمهاجرين والأنصار، وأن باطنهم في الإسلام كظاهرهم، وسريرتهم كعلانيتهم. كما أخبر عن باطن المنافقين ومن في قلبه مرض، وفي إخباره عن بواطن المؤمنين من الدلالة مثل ما في إخباره عن ضمائر المنافقين، فتأمل ذلك لتعرفه فشرحه يطول.

وقوله: منهم من قضى نحبه، أي من قتل في سبيل الله أو مات وهو مقيم على موالاة الله وإيثار مرضاته، ومن بقي ينتظر مثله ونيته وطويته ألا يزول عن ذلك، وما بدلوا تبديلا ولا غيروا. وفكر في قوله: «وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً» «٢»

فانظر كيف تمنن عليهم بأنه صرف عنهم هؤلاء الجنود وهذه العساكر بالريح وكفاهم قتالهم، وما نال المسلمين من الريح أذى مع قرب المسافة. بل باتوا منها في كل عافية وبات أولئك في كل بلية، وهذا بخلاف ما جرت به العادة، ولا يقدر على صرف الريح في الجهات وإجرائها على هذه السبيل إلا الله عز وجل.


(١) الأحزاب ٢٣
(٢) الأحزاب ٢٥