للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهمّ النبي صلّى الله عليه وسلم بالانصراف إلى المدينة والرجوع اليها بعد انصراف الأحزاب، فأتاه جبريل يقول له عن الله: لا تنزع درعك حتى تصير إلى بني قريظة، فسار اليهم ونزل عليهم، فألقى الله في قلوبهم الرعب منه صلّى الله عليه وسلم مع كثرتهم فامتنعوا بحصونهم، وقال صلّى الله عليه وسلم: يا يهود يا إخوة القرود «١» ، فقالوا يا محمد: ما عهدناك فحّاشا، فقال صلّى الله عليه وسلم: غدرتم بي ونبذتم/ عهدي، إنا إذا حللنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين. وبعث اليهم أبا لبابة بن عبد المنذر فقالوا له: يا أبا لبابة أتنزل على حكم محمد قال: نعم، وأومى بإصبعه إلى حلقه، أي أنه الذبح، فأنزل الله عز وجل: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» «٢» وما كان من أبي لبابة إلا إيماء بإصبعه، فأخبر الله بما كان من إشارته وما كان بينه وبينهم.

قال أبو لبابة والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله، وذهب من وجهه فأوثق نفسه بسارية في المسجد، فقال صلّى الله عليه وسلم أما إنه لو أتاني لاستغفرت له فأما إذ فعل فلا أحلّه حتى يكون الله هو الذي يحله، وما زالت سارية أبي لبابة معروفة في المسجد، وهذه آية أخرى.

وقد كان بنو قريظة في كثرة وبأس ونجدة، فقذف الله في قلوبهم الرعب عند نزول رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ. فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى سعد فجاء على حمار أقمر، وقد كان أصابه يوم الأحزاب سهم، وكان يقول اللهم لا تمتني حتى تريني في بني قريظة ما أحب، فقال له


(١) في سيرة ابن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دنا من حصون بني قريظة قال: يا إخوان القرود هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته، قالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولا. سيرة ابن هشام ٢: ٢٣٤
(٢) الأنفال ٢٧