للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إن بني قريظة قد رضوا بك وبالنزول على حكمك، فقال له الأوس: يا أبا عمرو هم حلفاؤك، فقال سعد: قد آن لي أن لا تأخذني في الله لومة لائم؛ لينزلوا حتى أحكم. فلما نزلوا قال: قد حكمت بقتل مقاتلتهم، وسبي ذريتهم، وغنم أموالهم، وأن تكون للمهاجرين دون الأنصار.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: قد حكمت بحكم الله، وهو معنى قوله: «وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ/ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً» «١» .

فانظر كيف يمتن عليهم بهذا، والعدو والولي يسمع، ولا يجوز أن يمن عليهم إلا بما قد كان وعلموه. فانظر كم علم في قصة الأحزاب، وكم آية، وكم دلالة، وكم أعجوبة.

وقد دخل في هذا الباب باب آخر وهو بانفراده حجة تامة، بل في كل موطن منه حجة ودلالة، فمن ذلك قوله عز وجل: «سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً.» «٢»

فانظر كيف يخبر عن عدوه أنهم سيقولون ما فيه حجة عليهم قبل أن يقولوه، فيقولون ذلك ويفعلونه كما أخبر عنهم، وهذا من عجيب الأمور،


(١) التوبة ١٢٠
(٢) الفتح ١١