للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل له: ما في هذا طعن ولا جئت بشيء، بل ما حصلت ولا تدري ما تقول ولو سكت لكان أستر لك، لأنك مازدت على أن قلت: هذا كان بالمدينة ولم يكن بالمدينة، وكان حين صار في عساكر وجماعات، فما في هذا من الطعن، ولو قد تدبرت لعلمت أن هذا زائد في حجته. لأنه بالمدينة ما رجع عن دعوى النبوة والصدق والعصمة كما كان بمكة، وحين صار بالمدينة وفي عسكر وعدوه في عسكر يقصده ويطرقه، فهو إلى الرجال وإلى التدبير بتدبير حزمة الملوك وطلاب الدنيا ومداراة من يتهم باطنه وترك مكاشفة مثل هذا أولى، فما زدتنا بسؤالك هذا إلا قوة في الحجة. وقولك: ألا كان هذا بمكة؟ فكيف يكون بمكة وما هناك منافق البتة؟، وكيف ينافقونه بمكة وهو وأتباعه كانوا بها مقهورين مغلوبين وبها من المسلمين من يكتم إيمانه خوفا من قريش، والذين/ كانوا يظهرون إيمانهم بمكة قبل الفتح أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وأشباههم، من تلك الجماعة المعروفة، على ما عليهم في ذلك من الشدة والأذية والبلية من قومهم وسواهم من الرجال والنساء كانوا يضعفون عما يقوى عليه أولئك فيكتمون ايمانهم، فمن أين يكون بمكة منافق. والأمر بالضد مما كان بالمدينة فكأنك تقول له صلّى الله عليه وسلم: لم لم تكذب وأنت بمكة كما صدقت وأنت بالمدينة، وأيضا فهو كان بمكة وحيدا فريدا، «١» ومن معه في ذلة وقلة وقبل أن يتبعه أحد، فما لان لعدوه بل كاشف وبالغ فيما يغضبهم ويغيظهم وجبههم بالإكفار والتجهيل بمثل قوله: «أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ» «٢» «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ» ومثل قوله: «أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا» «٣» ومثل قوله: «إِنَّكَ لا تُسْمِعُ


(١) في الأصل: وحيد فريد
(٢) الزمر ٢٤
(٣) الفرقان ٤٤