للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ. وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ» ومثل قوله: «وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ» إلى غير ذلك من نظائره مما لم يكاد يحصى لكثرته، وهذا لا يفعله حازم ولا عاقل إلا أن يكون نبيّا كما تقدم لك شرحه في غير موضع من كتابك هذا.

وتدبر قوله في أصحابه ببدر: «يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ» «١» كيف يوافقهم على اليسير مما كانوا يجدونه من الشدة والخوف من عدوهم لقلتهم وكثرة عدوهم.

وفي هذا المعنى قوله: «وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» «٢» وقوله في قصة أحد: «وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ» «٣» فواقف الذين أرادوا من الدنيا المباح من الغنائم على هذا المقدار، بخلاف تدبير البشر ومن له حرص على طلب الرئاسة والملك، حتى قال ابن مسعود: ما شعرت أن أحدا يريد الدنيا حتى سمعت رسول الله يقول: «مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ» لأن المهاجرين والأنصار اتبعوا النبيّ لصدقه ونبوته لا لغير ذلك، فإن اتفق لهم رزق مباح لم يكن بذلك بأس.

إلى قوله: «وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ: إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ


(١) الأنفال ٦
(٢) الأنفال ٢٦
(٣) آل عمران ١٥٢