للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَكَ يَقُولُونَ: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا» «١»

وهذا كان قاله عبد الله بن أبيّ بن سلول وأصحابه يوم أحد وهو من ذاك الجنس.

ومما يجري هذا المجرى قوله تعالى: «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ» «٢» والعاقل إذا تدبر علم أنهم لو لم يكونوا كذلك في ضمائرهم وطويتهم لما قاله فيهم ولما أخبر به عنهم، لأنهم كانوا ألفا وأربع مائة، فكان لا يأمن أن تكون طويتهم غير خالصة وإن أظهروا له ذلك، فكان لا يأمن أن يهجم منهم على خلاف ذلك، فيتبينون كذبه وهذا لا يفعله عاقل، فكيف بمثل محمد صلّى الله عليه وسلم وهو يدعي النبوة والصدق ويدعو الناس إلى أن يعتقدوا ذلك فيه، ويريده منهم ومع هذا فيقول إن هذا ليس بقولي وإنما هو قول ربّي وربّكم علام الغيوب. وهذا فيه علوم بغيوب كثيرة [التي] ، «٣» لا يعلمها إلا الله ولا يطلع عليها إلا صفوته وأنبياؤه. ولو كان فيهم من ليس بخالص/ الطوية لرجع إلى نفسه فكان يظهر ذلك ولو بعد حين، ولا يدع التحدث به وإن لم يجبه به رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان يتحدث مع اليهود والرؤساء الذين ذكرناهم من أعداء النبي صلّى الله عليه وسلم ويخبرهم بما كان عليه وما قاله، وكانوا يسرّون بعثرة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وزلّة إن لو كانت وحاشاه من ذلك، فكان يبلغ ذلك رسول الله، والمسلمون ويتحدثون به، ويشيع الأمر، كما ظهر أمثاله من قول المنافقين مع إخفائهم لذلك. فتعلم حينئذ بدليل عقلك أن بواطنهم له صلّى الله عليه وسلم كانت كظواهرهم كما أخبر وكما قال.


(١) آل عمران ١٥٤
(٢) الفتح ١٨
(٣) هكذا في الأصل، ونظنها زائدة