للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي قُلُوبِهِمْ» إلى قوله: «فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» «١» وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم حث الناس على الصدقة، فجاء عمر بصدقته وجاء عبد الرحمن بصرة يعجز عنها الكف، وجاء عثمان أيضا بما هو معروف من عظم صدقته، وكذلك غيرهم من الصحابة. وجاء رجل يقال له أبو عقيل بصاع من تمر، فقال المنافقون: لو كان لنا مال لأعطينا أكثر مما أعطى عبد الرحمن، وقالوا لصاحب الصاع: إن الله لغني عن صاعك هذا، فلمزوا من إعطاء الكثير ومن إعطاء القليل، فلهذا قال الله: «الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ»

«٢» فلهذا فصل الله عز وجل بين الفريقين. وأما قوله: «سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ» فإن الله لا يفعل سخرية الساخرين، ولا ظلم الظالمين، ولا استهزاء المستهزئين، ولا خداع المخادعين، ولا جور الجائرين، / ولكنهم لما جازاهم على سخريتهم جاز أن يقال سخر منهم، وهذا جزاء، كقوله: «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ» «٣» و «جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» «٤» فالأولى سيئة والثانية جزاء. ثم قال: «وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا» وهؤلاء قوم معروفون بأعيانهم تخلفوا عن الخروج مع رسول صلّى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك وقالوا هذا القول، وكان قد خروج في أشد ما يكون من الحرّ، وكانت نصارى العرب قد خرجوا إلى ملك الروم يحثونه على قصده لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقالوا له: هو وأصحابه في جهد وضرّ شديد، فانتهز الفرصة فيهم. فبادره رسول الله صلّى الله عليه وسلم وخرج بأصحابه وهم في ضرّ شديد وإعواز وعدم القوت، وتوجه نحو


(١) التوبة ٧٥
(٢) التوبة ٧٩
(٣) البقرة ١٩٤، وفي الأصل: ومن اعتدى
(٤) الشورى ٤٠