ولقد قال لهم أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم، قالوا: نعم قال: فالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، فقيل له ذات يوم: هو ذاك يصلي فانطلق اليه ليفعل به ما قال، فما رأيناه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيده، قالوا له: مالك يا أبا الحكم؟ قال: بيني وبينه حدق وهول وأجنحة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا.
واجتمع مرة الملأ من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فقالوا: قد التبس علينا أمر محمد، فلو علمنا رجلا يعلم الشعر والسحر والكهانة بعثنا به اليه يكلمه ويأتينا ببيان أمره، فقال عتبه بن ربيعة: أنا أعرف الكهانة والشعر والسحر، وقد علمت منه علما فأنا آتيه فلا يخفى عليّ أمره، فأتاه فقال:
يا محمد، أأنت خير أم عبد الله، أأنت خير أم هاشم، أأنت خير أم عبد المطلب، فبم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا وتفعل وتفعل، إن كانت بك الرئاسة جعلناك رئيسا علينا حتى تموت، وإن كان بك الباه زوجناك عشرة نسوة تختارهن من قريش، وإن كان بك المال أعطيناك ما تستغني به وعقبك، والنبيّ صلّى الله عليه وسلم ساكت؛ فلما فرغ عتبة قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا أبا الوليد قد قلت فاسمع: ثم قرأ صلّى الله عليه وسلم «حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» حتى بلغ إلى قوله: «فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ/ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ»«١» فأمسك عتبة على فم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال: أنشدك بالرحم لما كففت. ثم رجع اليهم فقالوا له: يا أبا الوليد رجعت بغير الوجه الذي ذهبت، فقال: يا قوم أمسكوا عن هذا الرجل فإن تم أمره فشرفه لكم، ومضى إلى منزله فقال أبو جهل: ما أرى عتبة إلا قد صبأ واتبع محمدا، انطلقوا بنا اليه. فأتوه، فقال أبو جهل: ما نراك إلا قد صبأت