للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكنت أرجو أن أدركه فأتبعه، فإن سمعتم به فلا تسبقوا اليه فإنه يسفك الدماء ويسبي الذراري، فلا يمنعكم هذا منه، فقال له كعب بن أسد: فما يمنعك من اتباعه، قال: أنت، قال: كعب: ولم؟ ما حلت بينك وبينه، قال: أنت صاحب عقدنا وعهدنا، فإن اتبعته اتبعنا وإن أبيت أبينا. فأقبل عمرو بن سعدى على كعب فقال: أما والتوراة إنه للعزّ والشرف، وإنه لعلى منهاج موسى وننال معه شرف الدنيا وننزل معه ومع أمته غدا في الجنة. قال كعب: نقيم على عهدنا ولا يخفر محمد لنا ذمة، وننتظر ما يصنع حييّ بن أخطب، فقد أخرج إخراج ذل وصغار ولا أراه يقر حتى يغزو محمدا، فإن ظفر فهو ما أردنا أقمنا على ديننا، وإن ظفر بحييّ فما في العيش خير. وتحولنا من جواره. قال عمرو: ولم نؤخر الأمر وهو مقبل، قال كعب: ما على هذا فوت، متى أردت هذا من محمد أجابني. قال عمرو: بلى إن عليه لفوتا إذا سار الينا وتحصّنّا في حصوننا هذه التي هي قد خدعتنا فلا نفارق حصوننا حتى ننزل على حكمه فيضرب أعناقنا. قال كعب:

ما عندي في أمره إلا ما قلت، ما تطيب نفسي أن أصير تابعا بقول هذا الاسرائيلي لا يعرف لي فضل البتة ولا قدر النعال، قال عمرو بن سعدى: بلى، / لنعرفن ذلك لك، وطال ما بينهم، ونزل قوم منهم ولحقوا برسول الله صلّى الله عليه وسلم وأسلموا.

فانظر إلى طول البحث والمراجعة بينهم، وإلى أعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم من رؤسائهم وأحبارهم وهم يصدون عن اتباعه بجهدهم، هل يقول قائل منهم هذا الذي من غدراته ونكثه كذا وكذا، وكذبه يوم كذا، وهذا موضع الحاجة اليه وإلى ذكره، أو أن موسى قد وصّى بأن شريعته لا تنسخ، وأن السبت لا يعطل مما يدعيه اليهود، والمناظرة والمراجعة تذكر بالأمور المتقادمة وتخرج الأسرار، فتعلم أنه لم يكن لجميع أعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيه مطعن ولا مغمز بوجه من الوجوه، وكم لليهود معه صلّى الله عليه وسلم من مشهد وموقف بهم الحاجة