للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك الإيمان حتى يخالط القلوب لا ينقضه أحد. وسألتك هل يغدر فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون. وسألتك هل قاتلكم وقاتلتموه فزعمت أن قد فعل وأن حربكم دولا، وكذلك الرسل قد تبتلى ويكون لها العاقبة. وسألتك عما يأمركم فزعمت أنه يأمر أن تعبدوا الله وحده وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء وأداء الأمانة، وهذه صفة النبيّ قد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم. وإن يكن ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدميّ هاتين، والله لو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه. قال أبو سفيان: ثم دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأمر به فقرىء إلى أن انتهى منه إلى قوله: «يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» «١» قال أبو سفيان: فلما قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظاماء الروم وكثر لغطهم فما أدري ما قالوا، وأمر بنا فأخرجنا، فلما خرجت مع أصحابي وخلصت بهم قلت: لقد أمر أمر بن أبي كبشة، هذا ملك بني الأصفر يخافه.

وقال أبو سفيان لأصحابه: والله لولا الحياء من أن يأثروا عني الكذب لحدثته عنه حين سألني، ولكني استحييت أن يأثروا عني الكذب فصدقت عنه، ولم يمكني كلمة «٢» أدخل فيها شيئا أنتقص محمدا فيه أخاف أن يؤثر عني غيرها حين قال لي: فهل يغدر قلت: لا، ونحن الآن/ منه في هدنة، ونحن نخاف أن يغدر.


(١) آل عمران ٦٤
(٢) لعلها: إلا كلمة لأن سياق الكلام يستدعي ذلك.