فهذا أبو سفيان عدو رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ ذاك، وهذا كان قبل إسلامه وفي حال عداوته، والذين معه من قريش على حاله في العداوة، وهذا ملك الروم عاقل حازم.
وانظر كيف استظهر في أن يسأل عنه صلّى الله عليه وسلم أعداءه. فأحضرهم وهم لا يدرون ما يريده منهم، وسألهم عنه على تلك السبيل التي استنطق واحدا منهم بحضرة جماعة بغتة على حال يبعد فيها المواطأة.
ثم قول أبي سفيان لأصحابه: لولا خوفي منكم أن تأثروا عني الكذب واستحيائي منكم لما صدقت ملك الروم عنه ولكذبت عليه، وما قدرت أن أطعن عليه إلا بقولي: ونحن نخاف أن يغدر، ما قدرت على أكثر من هذا.
وخاف أبو سفيان أن لو كان وحده أن يسأل ملك الروم غيره فيتبين كذبه.
وتأمل قول ملك الروم: هل يرتد أحد سخطة لدينه أي لعثرة أو زلة تكون منه. ولما أسلم أبو سفيان كان يعيد هذا الحديث ثم يقول: فو الله ما زلت ذليلا مستيقنا أن أمر محمد صلّى الله عليه وسلم سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا له كاره.
وجعل ملك الروم كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم بين يديه، وراجع الفكر فيه، وأدام المسألة عنه صلّى الله عليه وسلم. فقدم عليه أميه بن أبي الصلت الثقفي، وحكيم بن حزام القرشي، فسألهما عنه، فأخبراه بحاله ودعوته على نحو ما أخبر به أبو سفيان وأولئك النفر، فقال لأمية بن أبي الصلت: أآمنت به؟ قال لم أكن لأومن لنبيّ إلا أن يكون من ثقيف.
وكان هذا الملك متخشعا، ولما انكشف عنه جنود فارس مشى من حمص إلى بيت المقدس شكرا لله.