للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت القصة المعروفة التي قد تقدم ذكرها لك لقوله عز وجل: «الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي/ أَدْنَى الْأَرْضِ» فرجع ملكهم اليهم في عام الحديبية، وأرسل ملك الروم إلى رجل كان برومية يقرأ بالعبرانية ويعرف الكتب القديمة، فكتب اليه يخبره بورود كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم عليه، وبما ذكر فيه، وبما وقف عليه حين سأل عنه. فكتب اليه صاحب رومية أنه النبيّ الذي كنا ننتظر لا شك فيه، فلما وقف ملك الروم على هذا أمر بطارقته فجمعوا له في دسكرة ملكه «١» ، فأمر بها فأشرجت عليهم بأبوابها «٢» ، ثم اطلع عليهم من عليّة له خوفا على نفسه، فقال: يا معشر الروم، إني قد جمعتكم لخير، إنه قد أتاني كتاب هذا الرجل يدعوني إلى دينه، وو الله إنه النبي الذي كنا ننتظر ونجده في كتبنا، فهلموا فلنتبعه ونصدقه وتسلم لنا دنيانا وآخرتنا. فنخروا نخرة رجل واحد، ثم ابتدروا باب الدسكرة ليخرجوا فوجدوها مغلقة، فقال: كرّوهم عليّ، فلما رجعوا قال:

يا معشر الروم، إنما قلت لكم هذه المقالة لأنظر كيف صلابتكم على دينكم لهذا الأمر الذي قد حدث، وقد رأيت منكم الذي أسرّ به. فوقعوا له سجّدا، وأمر بباب الدسكرة ففتحت لهم. وكان الناس يتحدثون بذلك، ويقول الروم: إن الملك [فعل] «٣» هذا امتحانا لأصحابه، ويقول غيرهم من النصارى: ما فعل هذا إلا لورود كتاب صاحب رومية عليه بما ورد. وقد كان بقي منهم من أدرك خلافة عبد الملك بن مروان، غير أن الجملة التي لا ريب فيها عند أهل العلم إكرام ملك الروم لكتاب رسول الله، ومسألته عنه، ومدحه له، وقوله إنه للنبيّ الذي كنا ننتظر، وما صنعه في الدسكرة،


(١) الدسكرة: بناء كالقصر فيه منازل وبيوت للخدم والحشم، ويكون للملوك. اللسان: مادة دسكر
(٢) أي فأغلقت عليهم
(٣) هذه الكلمة زيادة مني على الأصل اقتضاها سياق الكلام.