للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولستم كما كنتم لنا، وقد أصبحتم بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون عليه، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره، والباكي خاذل، والطالب ثائر، وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الموت ردنا عليه وحاكمناه إلى الله، وإن أردتم البقية أخذنا لكم بالوثيقة فنادوه البقية البقية يا أمير المؤمنين، فجلس، وتعجب أن معاوية قد صدق عليهم، وقال: يا أهل العراق سخا بنفسي عنكم قتل أبي وجراحتكم لي وانتهابكم متاعي.

ولما مات معاوية عزم الحسين عليه السلام على المسير إلى الكوفة، أتاه عبد الله بن عمر بن الخطاب فسأله عن رأيه، فأخبره أن أهل الكوفة قد راسلوه وبايعوه، فقال له عبد الله بن عمر: لا تقبل منهم ولا تسر اليهم، ولا تأمن بني أمية، فإنهم طغاة ضلال طلاب دنيا، لا يبالون من قتلوا، فلا تغتر بأهل الكوفة فإنهم قتلوا أباك/ وخذلوا أخاك، وهم يسلمونك في طاعة بني أمية. فقال الحسين: هذه كتبهم، وقد بايعوني، وأخذ عليهم مسلم بن عقيل البيعة لي، وكاتبوني بالقدوم عليهم، وأنهم ينصروني؛ وابن عمر يقول له لا تثق بهم فإنهم يسلمونك، والحسين عليه السلام يكذب عنهم ويذكر ثقته بهم، وأنه قد راجعهم ووبخهم بما كان منهم، وأنه وثق منهم أنهم لا يسلمونه ولا يصنعون به ما صنعوا بأبيه وأخيه، فلما رآه ابن عمر واثقا بهم لا يقبل منه فيهم، قال له: استودعك الله من قتيل.

وأتاه عبد الله بن عباس فنهاه عن المسير اليهم، وقال له نحو قول ابن عمر، فأخرج كتبهم وأقرأه إياها، يقولون: قد اخضرّ الجناب فأقدم، فإنما تقدم على جند مجنّد. فقال له ابن عباس: لا تقبل منهم، فإنما يدعونك إلى القتال وهم يسلمونك، والحسين يقول: ما كانوا ليفعلوا هذا وقد بايعوني وعاهدوني وهذه كتبهم، وأشار إلى خرج مملوء بكتبهم، فقال له لا تفعل