وعمر قد جاء مجيئا لا ينكره من له في العلم نصيب، وذكر جماعة ممن رووا فضلهم ونبلهم وكثرتهم وجلالتهم ثم قال: ولكن عندنا ما أراد نفسه.
ثم ذكر أبو القاسم رحمة الله عليه أن شريك بن عبد الله كان من كبار الشيعة «١» ، وكان يقول: خير هذه الأمة أبو بكر وعمر وهما خير من عليّ، ولو قلت غير هذا ما كنت من شيعة علي، لأنه قد قام على هذه الأعواد فقال:
ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، فنكذبه، والله ما كان كذابا.
قال أبو القاسم: الخبر صحيح، ولكنه عندنا مخصوص، ولم نقصد لذكر ما قاله أمير المؤمنين في فضلهما، فإن ذلك أوضح من الشمس وهو كثير، وله كتب كثيرة مفردة طويلة، وإنما ذكرنا هذا عند ذكر عبد الله بن سبأ وما كان منه. وبما أفسد به على أمير المؤمنين، وربما ألقى عبد الله بن سبأ هذا ما ألقاه، وظهر إلى قوم كان يلقيه اليهم من أنه إله، واستتابهم أمير المؤمنين فما تابوا فأحرقهم، وكانوا نفيرا يسيرا، ونفى عبد الله بن سبأ عن الكوفة إلى المدائن، فلما قتل أمير المؤمنين عليه السلام قيل لابن سبأ قد قتل ومات ودفن فأين ما كنت تقول من مصيره إلى الشام؟ فقال: سمعته يقول: لا أموت حتى أركل برجلي من رحاب الكوفة فأستخرج منها السلاح وأصير إلى دمشق، فأهدم مسجدها حجرا حجرا، وأفعل وأفعل، فلو جئتمونا بدماغه مسرودا لما صدقنا أنه قد مات. / ولما افتضح بهت، وادّعى على أمير المؤمنين ما لم يقله.
والشيع الذين يقولون بقوله الآن بالكوفة كثير، وفي سوادها وفي العراق كله يقولون: أمير المؤمنين كان راضيا بقوله، وبقول الذين حرقهم، وإنما
(١) يقصد بأبي القاسم: عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي، من كبار المعتزلة، له آراء ومقالات انفرد بها، أخذ عنه قاضي القضاة عبد الجبار كثيرا في كتابه طبقات المعتزلة.