ثقيل الوطأة على قريش وأعداء رسول الله، فانه كان يدعو الى نبوته، ويخطب باياته، وكان وجيها في الناس، عالما بقريش، باين الفضل فيهم، فكانوا يقصدونه بالمكاره لهذه الخصال التي كانت تضرهم. وقد استدعى خيارهم ووجوههم الى الاسلام، وأنفق ماله في نوائب الاسلام ونصرته، وكانوا يطلبون شيئا يصدّه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويمنعه من اتباعه. فأتوه وقالوا له: يا ابا بكر، ما زال صاحبك حتى أتى بكذبة خرج بها من أقطارها. قال ابو بكر: حاشاه، وما هو؟ قالوا: زعم انه أسري به في ليلة الى بيت المقدس. فقال ابو بكر: إن كان قال ذلك فقد صدق.
قالوا: يا ابا بكر، أتصدقه في هذا والعير تطرد في ذهابها شهرا وفي رجوعها شهرا، أيبلغه في ليلة واحدة؟ قال ابو بكر: انه ليخبرني ان الخبر يأتيه من السماء الى الارض في ساعة واحدة فأصدقه، وبعد السماء عن الارض اكثر من بعد بيت المقدس من مكة؛ قوموا بنا اليه نسأله عن ذلك. فأتوه، فقال له ابو بكر: ما شيء بلغني عنك يا رسول الله انك أتيت بيت المقدس في ليلتك؟ فقال: نعم يا ابا بكر، صلّيت بكم في هذا الوادي، فأتاني آت، فأيقظني وأخرجني وجاء بدابته فقال: اركب فأرفصت «١» ، فقال لها جبريل: اسكني، فما حملت خيرا منه. فسارت بي، واذا حوافرها تقع مدى/ بصرها، وكنت اذا أتيت صعودا قصرت قوائمها، واذا أتيت حدورا طالت قوائمها، فأتيت بيت المقدس؛ وذكر صلاته ودخوله اليه ورجوعه. فقال له ابو بكر: يا رسول الله، هل تستطيع ان تصف لنا بيت المقدس؟ فقال: نعم. فوصف مدخله والمسجد
(١) ارفصت الناقة اذا رعت وحدها والراعي ينظر اليها، وتعنى هنا النفور والترك. انظر القاموس. مادة: رفص.