المؤمنين، وما كان من السقيفة، وقد جرت تلك الخطوب التي قد تقدم لك ذكرها يوم موت رسول الله صلّى الله عليه وسلم على وجه الأرض لم يدفن بعد، وقد تذاكروا وخاضوا وأدلى كل قوم بما لهم من الفضائل وبما قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلم في كل فريق، وقد تجاذبوا الامارة وفيمن تكون الرئاسة، فانظر كيف أجمعوا كلهم على تزكية رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والتسليم لأوامره، والاقتفاء بأثره، والطلب لوصاياه فما هناك أحد منهم أظهر معتبة أو شك في شيء من أمره وأفعاله صلّى الله عليه وسلم ولا سأل على طريق الاستفهام عن شيء من أموره بوجه من الوجوه، هذا والعهد قريب، وفيهم من يريد شرف/ الرئاسة في قومه، فما رجعوا إلا إلى وصاياه في أن يكون في الأخيار من قريش، وهذا موضع يخرج في الأضغان ويظهر الشحناء.
ثم انظر كيف جعلوها فيمن كان يجله ويعظمه ويقدمه، وفي أهل السابقة، وهناك من سادات العرب وذوي الشرف والنخوة والعدد والعدة وكثرة العشيرة وظهور الثروة ما لا يحصى كثرة، ثم هناك من الأقارب من سادات بني هاشم خلق كثير، ولو لم يكن إلا العباس مع فضله وعقله الذي كان يدعى حليم قريش، وإذا كان حليم قريش وقريش أحلم العرب إذ ذاك وأعقل العرب فهو حليم العرب كلها، فجعلوها في أبي بكر وهو أضعف حيّ في قريش وأقله عددا وأظهر فقرا، فقد كان له مال فأنفقه على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفي نوائب الإسلام، حتى لم يكن له ثوب يكفن فيه حين مات فوصّى أن يكفن في أطماره الرثة، فلما قيل له: ألا تشتري لك ثوبا جديدا يكفيك فيه، فقال:
الحيّ أحوج إلى الجديد.
ولما استخلف، غدا إلى السوق وعلى عاتقه أثواب يبيع ويشتري، فاجتمع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقالوا: هذا خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصبح غاديا يبايع