للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلفوا اليه أياما كثيرة فامتنع منها، ومد يده فقبضها وقال: اختاروا غيري أبايعه وتبايعونه.

وما كان من طلحة والزبير من المصير إلى البصرة فلم يكن للرغبة في الإمارة ولكن للطلب بدم عثمان، فقد كان حرقوص بن زهير وتلك الجماعة أفحشوا فيما أتوه، وقد كانوا شكوا إلى طلحة عمال عثمان فأعانهم على عثمان، وظن أنهم صادقين، فتجرؤوا على عثمان بمعاتبة طلحة له ومعونته إياهم عليه.

فلما اغتالوه وقتلوه، ندم طلحة أشد الندم على ما كان منه إلى عثمان. ولما نزل هو والزبير وعائشة ومن كان معهم حين ساروا إلى البصرة الجفير أرسل عثمان ابن حنيف الأنصاري عمران بن حصين وأبا الاسود الدؤليّ إلى عائشة فقال:

انطلقا فاعلما علمها وعلم من معها، فقالا: يا أم المؤمنين، أخبرينا عن مسيرك هذا أعهد عهده رسول الله صلّى الله عليه وسلم أم رأي رأيتيه، فإن أميرنا بعثنا اليك، فهل أنت مخبرتنا؟ قالت: «١» بلى هو رأي رأيته والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم، ولا يعطى لبنيه الخمر، إن الغوغاء من/ أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا لعنة الله ولعنة الرسول، مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا تره، ولا عذر أنا نقمنا عليه ضربة السوط، وموقع النحاية المحماة، وإمرة الوليد وسعيد، فعدوا عليه فاستحلوا منه الحرم الثلاث: حرمة البلد، وحرمة الخلافة، وحرمة الشهر الحرام، بعد أن مصناه كما يماص الإناء «٢» فركبوا هذه منه ظالمين، ومزقوا الأعراض والجلود، وأقاموا بدار قوم كارهين لمقامهم، ضارين غير نافعين ولا مبقين، لا يقدرون على الامتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أعلمهم


(١) في الأصل: قال
(٢) ماص الإناء: غسله، وفي حديث عائشة رضي الله عنها في عثمان رضي الله عنه، مصتموه كما يماص الثوب ثم عدوتم عليه فقتلتموه. اللسان، مادة ماص