بكر وغيرهم ينطقون بالحق في زمن الجبابرة الذين قد أفنوا الأمم بالسيف ومما يكاد أحد ينطق إلا بما يهوون ويريدون، ومنها إدلال هؤلاء بصحة إمامة أبي بكر وعمر وبراءتها من كل عيب، فما نطق مروان ولا أحد من بني أمية بعيب مع حاجتهم إلى ذلك، وفيهم الملك ولهم الامر، والذي قد غاظهم وأغضبهم ولد أبي بكر.
ولما حج معاوية أخذ من كان يصلح للإمامة من قريش ومن كان يخافهم مثل الحسين وعبد الله بن الزبير وابن عمر، فقال لهم: بايعوا ليزيد، فقال له ابن الزبير: ارض منا بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فإنه ترك الناس فاختاروا لأنفسهم بعده من رأوه أهلا لها، أو بسيرة أبي بكر فتنص على رجل مرضيّ عند الأمة ليس من أهلك، أو كما فعل عمر فتجعلها شورى من قوم مرضيين معروفين ليس فيهم أحد من أهلك، فلك ولنا بهؤلاء أسوة. فغضب معاوية، وهددهم، وتوعد الناس وقال: لستم في زمن أبي بكر وعمر وإنما هم بنو أمية، من عصاهم أوجلوه السيف، فلاذت تلك الجماعة بعائشة وخافوه على أنفسهم فأرسلت اليه فجاءها وكلمته في أمرهم/ وقالت له: قد كان لمن يقدمك بنون ما ابنك مثلهم، فما رأوا في بنيهم ما رأيت في ابنك، فما زال يخرجها من باب وتخرج معه حتى أيبست ريقه انقطاعا في يديها، إلى أن قالت: إنما هو ملك بباطل تجعلونه بني أمية فيمن تهوونه.
وفي هذا مثل ما في الذي قبله وأكثر، قال قائل من الإمامية: أنتم تزعمون أن عليّا كان يرضى سيرة أبي بكر وعمر وقد قال له عبد الرحمن بن عوف في الشورى: أوليك هذا الأمر على أن تقضي بكتاب الله وبسنة رسول الله وسيرة أبي بكر وعمر قال: أما بكتاب الله وسنة رسول الله فنعم، وأما سنة أبي بكر وعمر فلا، فما الذي يبقى بعد هذا؟