تنكره، فأما أن لا يكون له أصل البتة، وأما أن يكون إن كان حقا المراد به والنية فيه والقصد غير الظاهر الذي أنكره الخصم وأوّله، فقد علمت حالهم في تمسكهم بدين رسول الله صلّى الله عليه وسلم ووصاياه والقيام على نصوصه وعهوده، وأن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا لو أرادوا في سلطانهم أن يغيروا نصا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم في امرأة أرملة ذمية لما تمكنوا منه، وإن سلطان هؤلاء لم يكن كسلطان معاوية ومن بعده من الملوك.
فاحفظ هذا الأصل وارجع اليه فيما ذكروه عن عمر في قتل أهل الشورى، وفي ادعائهم على أبي بكر أنه أمر خالد بن الوليد بقتل عليّ بن أبي طالب ثم بدا له فقال لا تفعل، بحضرة المهاجرين والأنصار، وأنه وجّه بالنعمان بن بشير، والمغيرة بن شعبة فقاتلا سعد بن عبادة الأنصاري، وأن أبا سفيان وبني أمية كانوا في زمن عثمان يظهرون بين الناس بتكذيب النبيّ، وأنه ما ها هنا معاد ولا جنة ولا نار، ولهم في هذا روايات كثيرة عن الصحابة من الرجال والنساء، وذكرها يطول، غير أنك تعلم كذبهم فيها بالدليل الذي تقدم من تمسك المهاجرين والأنصار بدين النبي صلّى الله عليه وسلم، وأن الغلبة في زمانهم كانت للمقيمين على دينه وللمعتقدين على تصديقه.
على أن هذا الانكار والتكذيب له وبالبعث/ والنشور والحساب والجنة والنار وما أشبه ذلك، ما كان أحد يجسر على إظهاره في زمن معاوية وأئمة الجور من بني أمية، ولا في زمن ملوك بني العباس وحيث كان الملوك منهم، فإن الملوك من بني أمية وبني العباس ما كانوا ملحدة ولا زنادقة ولا أعداء لرسول الله صلّى الله عليه وسلم بل كانوا على ملة الاسلام ويحبون رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودينه، ويبرؤون من أعدائه وإن شابوا ذلك بحب الدنيا وبإيثار العاجلة وقتل من يأمرهم بالقسط من الناس، وغير ذلك من الكبائر والمناكير التي ارتكبوها.