أخروه ولم يقلدوه الخلافة، قالوا ومع هذا فحسدوا بني هاشم أن يجتمع فيهم الخلافة والنبوة جميعا.
وهذا كأمثاله من الافتراء الذي لهم على المهاجرين والأنصار، فقد علمت أحوالهم وكيف أجابوا النبي عليه السلام من تلقاء أنفسهم تصديقا له وإيمانا بما أتاه، وقد كان لهم بمكة وبالمدينة وبأرض الحبشة ما قد تقدم ذكره لك، ويشهد عندك ببطلان هذه الدعوى.
وبعد فقد علمت ما كان للمهاجرين والأنصار من الخوض في باب الإمامة في حياة النبي صلّى الله عليه وسلم، وفي مرضه، وبعد موته، وقبل دفنه. وفيما جرى بين أبي سفيان والعباس وبني هاشم، وفي السقيفة، وعند استخلاف عمر، وفي الشورى، وفي غير ذلك. فما ذكر ذاكر أن هذا يكرهه لأنه قتل الآباء والأبناء ولا بألا يحب أن تكون النبوة والخلافة جميعا في بني هاشم، وما نطق أحد من خلق الله بحرف من هذا ولا خطر ببالهم.
وقد دخل أمير المؤمنين رضي الله عنه في الشورى فما أنكر أحد دخوله، ولا نفر أحد، ولا نطق أحد في ذلك بحرف، بل رضي الناس كلهم بذلك كما رضوا بغيره ممن كان في الشورى، وقد تبادر الناس اليه بعد عثمان، وأكبوا عليه ومدوا يده، فقبضها مرة بعد مرة/ وحرصوا به وأحبوا خلافته وبيعته، فما نطق أحد بحرف مما يدّعيه هؤلاء، وفي كل هذا تكذيب لدعاويهم وفريتهم. وقد علمنا أنه لم يكن له رضي الله عنه في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا في زمن أبي بكر وعمر وعثمان عدو من المهاجرين ولا من الأنصار، حر ولا عبد، ولا ذكر ولا أنثى، لأن ذلك لو كان كذا لظهر، ولكان العلم به كالعلم بغيره من الأمور، وكالعلم بمن قعد عنه، وكالعلم بمن عاداه من أهل الشام، وكالعلم بمن رجع عنه من أصحابه كما قد تقدم.