وليس معاداة من عاداه بعد ذلك وبرىء منه دليلا على أنهم قد كانوا أعداءه في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر وعمر وعثمان فقد عادى قوم عثمان رضي الله عنه وخالفوه ونازعوه في آخر أيامه، ولا يدل هذا على أنهم كانوا عدوه في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا فرق بين من ادّعى هذا أو ادعى أن الخوارج إنما خالفوه وأكفروه لأنه قتل المشركين، ولأنه كسر الأصنام، ولأنهم كرهوا أن تكون النبوة والخلافة في بني هاشم. وكذا أهل الشام في خلافهم عليه، وهذا كله بهت واختلاط ممن ادعاه، بل الأمور التي لها ومن أجلها خالفه من خالفه من أهل الصلاة معروفة، كما أن الأمور التي لها ومن أجلها خولف عثمان معروفة.
وبعد فإن المهاجرين والأنصار، إنما كانوا يقدمون من قتل المشركين ويجلونه ويعظمونه ويعظمون من كانت وطأته على المشركين أشدّ، ولهذا جلّ عندهم من شهد بدرا والمشاهد التي كانت في قتال المشركين وقتلهم، ولم تكن منزلة غيرهم من مسلمة الفتح ومن أسلم بعد الفتح منزلتهم، وكان مما يجل به عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه احتز رأس أبي جهل/ وكان مما يجل به عمر عندهم أنه يوم بدر ما أسر أسيرا وأن كل من وقع بيده من المشركين قتله، وكان فيمن قتله العاص بن هشام وكان خاله، وطلب خاله الحارث ابن هشام فأفلت من يده، ومما كانوا يقدمونه فيه أنه يوم بدر أشار على النبيّ صلّى الله عليه وسلم بقتل الأسرى وقال له: سلم كل رجل منهم إلى أقاربه وأهل بيته فليضرب عنقه، فهم رؤوس الشرك، وهم كذبوك وأخرجوك، فسلم عقيلا إلى أخيه عليّ ليقتله، وفلانا إلى فلان، ولقتل المشركين تقدم عندهم الزبير، وأبو دجانة، وبنو عفرة، والبراء بن مالك وأمثالهم. كما قد كان يتقدم عندهم من جمع القرآن وحفظه، بل كان من كانت نكايته في المشركين