للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالنار غضبا لرسول الله وحمية لدينه، وهم كانوا أشد الناس عليه، ولكن لما أسلموا زال ذلك كله، وأخلصوا أشد الاخلاص. وهؤلاء وأمثالهم قد كانوا عرفوا الحق فمنعهم من الدخول في الاسلام الحمية وحب الرئاسة، وقد كانوا علموا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يقدمهم على الفقراء والموالي الذين سبقوا إلى الاسلام كما قد تقدم ذكر ذلك لك، فلما قهرهم الحق وجاء الفتح أسلموا، وكانت نفوسهم أبية يأنفون من النفاق والفسق والغيبة، فأسلموا وهذه أخلاقهم فأخلصوا ونصحوا.

وقد تقدم لك ما قاله الحارث بن هشام حين خرج من مكة مهاجرا في سبيل الله، ولهذا المعنى قال أبو جهل لابن مسعود حين أكب عليه ليجهز عليه: ألست رويعيا بتهامة، لقد ركبت مركبا صعبا. وقد تقدم لك للاسباب نزول قوله عز وجل: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» .

ولقد ذكر سهيل بن عمرو، أن الحمية والأنفة وحب الرئاسة مما منعهم من الدخول في الاسلام، وكان يقول: وأبو سفيان يعرف من هذا/ الحق ما أعرف، ولكنّ حسد بني عبد المطلب قد ختم على قلبه. وقد كان أبو سفيان يتحدث بمثل ذلك فيقول: خرجت وأمية بن أبي الصلت الثقفي، وطليق بن سفيان بن أمية تجارا إلى الشام «١» ، وكان أمية بن الصلت يأتي النصارى ويسمع من علمائهم، فقال لي: هل لك في عالم من علماء النصارى إليه يتناهى علم الكتب تسأله عما بدا لك؟ قلت: لا أرب لي به، والله لئن حدثني ما أحب


(١) كلمة سفيان ليست واضحة في الأصل