رجل يقول: أوّه، فأشار ابن عمه إليه أن انطلق إليه واسقه، فأتاه فإذا هو هشام بن العاص بن وائل السهمي، فقال له: أسقيك؟ فسمع آخر يقول:
أوّه وما بهشام طرف يتكلم فأشار هشام أن انطلق إليه، فجاءه فإذا هو قد مات، فرجع إلى هشام فإذا هو قد مات، ثم أتى ابن عمه فإذا هو قد مات.
وكم مثل هذا لو أخذت أذكره لطال ذلك، وأنت تجدها في أماكنها.
وهؤلاء هم الذين كانوا أعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أول أمره حين دعا إلى الله عز وجل وأولاد أعدائه.
وانظر إلى مسلمة الفتح. فهذا الحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وعباس بن أبي ربيعة، فإنهم هجروا الأوطان، وفارقوا الأهلين، ورفضوا الأموال، وأقاموا على الجهاد، حتى أسعدهم الله بالشهادة، وأوجب لهم الكرامة.
ولقد استلحموا، وجلت عنهم المعركة وقد أصابهم أشد العطش من حر السلاح، فمد الحارث يده يستسقي، ومد عكرمة يده، فقال الحارث:
اسق عكرمة، فمد عياش يده فقال عكرمة: اسق عياشا/ فلم يصل إلى أحد منهم حتى مات الآخر مما كان بهم من الطعن والضرب وحرّ الحديد، فكيف يتوهم على هؤلاء الحقد والضغن، وهل شيء يؤمن من ذلك إلا وقد كان معهم؟ وهؤلاء قد قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أباهم وأبناءهم وإخوانهم وآذوه وحاربوه قبل إسلامهم، فلما أسلموا أخلصوا، وكان هؤلاء وأمثالهم أشد الناس على أهل الردة وعلى جميع أعدائه صلّى الله عليه وسلم.
ومثلهم سهيل بن عمرو، والمهاجر بن أبي أمية، وعتاب بن أسيد، وجبير ابن مطعم، فهؤلاء من ردّ الردة، وقتل مسيلمة، وأسر طليحة، وقتل أهل ردة عمان، ورجال أسد وغطفان، وما قنعوا بقتلهم حتى أحرقوهم