للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غضبا على من خالفه أو خرج من دينه حتى يقول الأخ منهم لأخيه والوالد لولده إذا قال أحدهما لصاحبه أقم أنت حتى أخرج أنا، فيقول الآخر: أنا أريد من الشهادة والجهاد مثل ما تريد، فيودعون الأهل والأحباب ويقولون لعلنا لا نرجع إليكم، ولا يلوون على شيء من الدنيا. ولقد التقوا مع مسيلمة فانكشفوا، فقالوا عوّدنا الاعراب الفرار، ما هكذا كنا نقاتل مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وقالوا لخالد بن الوليد وهو أميرهم أخلصنا بعدونا فأخلصهم، وحفروا الحفائر وثبتوا فيها يقاتلون إلى أن ظفروا، وقتل مسيلمة وقتل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسالم مولى أبي حذيفة، وثابت بن قيس، وزيد بن الخطاب، وغيرهم من المهاجرين والأنصار نحو أربعمائة، فيهم من حفّاظ القرآن سبعين رجلا، وفيهم ممن شهد له النبيّ عليه السلام بالجنة وأنه يقتل شهيدا، وهذا من آياته وكلهم قتل في طاعة أبي بكر.

ولأجل هذه القضية وهذا الزحف اجتمع الصحابة/ إلى أبي بكر وقالوا له: اجمع القرآن في مصحف واحد ليناله كل أحد، فقد قتل في هذا الزحف خلق كثير ممن حفظ القرآن، ولا نأمن زحفا مثله يقتل فيه آخرون ممن قد جمع القرآن، فيذهب منه أو يضيع، وهؤلاء ما يملكون أنفسهم، ولا يصبرون عن الجهاد ولا عن الموت في طاعة الله، [وللموت في طاعة الله] «١» أحب إليهم من الحياة، أفعلى هؤلاء يدّعى أنهم كانوا يعادون من قتل المشركين، أو أنهم تغيروا بعد نبيهم.

ولقد انطلق أبو الجهم بن حذيفة العدوي يوم اليرموك يطلب ابن عم له ومعه شيء فيه ماء، فإن كان به رمق سقاه ومسح بالماء على وجهه. فأتاه فقال له: أسقيك؟ فما كان به طرف يتكلم، فأشار أي نعم، فإذا صوت


(١) زيادة مني على الأصل اقتضاها السياق