الخلفاء بعده على ثغور الروم، فضبطها وفتح الفتوح وغزا معه في تلك المغازي خلق كثير من المهاجرين والأنصار والبدريين وكانت فيه عفة عن أموالهم.
وكان عمر رضي الله عنه كثير التصفح لأحوال العمال والاستبدال بهم، فما وجد عليه ولا استبدل به، فلما مضى عثمان فكان من أمر معاوية ما كان من الخلاف على أمير المؤمنين رضي الله عنه انصرف عنه البدريون، وصاروا في حملة أمير المؤمنين، ولم يبق معه منهم أحد من البدريين خاصة، وأقام على خلاف أمير المؤمنين فأحبط عمله وضل ضلالا بعيدا. فليس أحد من هؤلاء خالف أمير المؤمنين لشكه في النبوة، ومع هذا فما سار أمير المؤمنين في قتال هؤلاء سيرة من شك في النبوة، ولا أخرجهم من أن يكونوا من أهل الصلاة وأهل القبلة، وما زاد على تضليلهم.
وقد دعا عبد الله بن الزبير إلى نفسه بأمرة المؤمنين، وأقام على حرب بني أمية تسع سنين وتفانوا بالقتل، وقتل بنو أمية آل الزبير وأفنوهم وصلبوهم ولم يكن ذاك لشك من أحد الفريقين، في النبوة والعجب أن عبد الله بن وهب الراسبي وأصحابه أكفروا أمير المؤمنين فما أكفرهم هو ولا زاد على تضليلهم/ وكذا سار القراء والتابعون الذين قاموا مع ابن الاشعث وأنكروا شأن عبد الملك والحجاج، فإنما أنكروا فسقهم وجورهم لا أن أحد الفريقين شك في النبوة، ومثل هذا كثير فاعرفه، فإن قوما قد دخلوا بين الناس وألقوا إليهم مثل هذا لشدة عداوتهم للنبي صلّى الله عليه وسلم، حتى قالوا في العباس ابن عبد المطلب انه كان عدوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يمقته، وكان اذا سلم عليه لا يرد عليه ويقول له: لعنك الله ولعن أبا لهب، وأنه لم يكن من بني هاشم ولا ولد عبد المطلب، وأنه لتلك العداوة التي كانت في نفسه صارت في ولده، فلهذا قتل أبو جعفر المنصور من ولد أبي طالب من قتل، وكذا غيره من بين العباس.