حديث العليم بكل صغيرة وكبيرة من احداثها وشؤونها، ولما كان الرسول عليه السلام أميا لم يطلع على كتب الأقدمين- التي لا تشير هي ايضا بدقة الى تلك الامور- فلا بد انه تعالى هو الذي اخبر نبيه بهذه الاشياء.
٣- وأخيرا فقد اتجه كثير من العلماء الى ان الاعجاز في القرآن هو فيما ورد فيه من انظمة انسانية بالغة الرقي لم يشهد الخلق لها مثيلا في ضمان مصلحة بني الانسان وتأمين حياته الخيرة، فقد ورد في القرآن انظمة لحياة الانسان في شتى الوان النشاط البشري السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاخلاقي والروحي، ولما كانت هذه الانظمة يستحيل ان يقدر عليها اي انسان فلا بد ان يكون القرآن منزلا من الله مثبتا لرسالة الرسول.
والواقع إن الاعجاز القرآني يشمل هذه النواحي جميعا: فهو فى اللفظ العجيب والتركيب البلاغي البديع، وهو في اخباره عن الغيوب وانباء الامم السابقة، وهو في انظمته الرائعة السامية؛ ولا نستطيع ان نقول بحصر الاعجاز في جانب واحد، لأن القرآن معجزة الرسول الى الناس جميعا في مختلف ازمانهم وامكنتهم، لذا كان لا بد ان يحوي هذه الوجوه المتعددة، فاذا آمن العربي به لإعجازه البلاغي فقد يؤمن به الرومي لإخباره عن الامم السابقة كما قد يؤمن به الفارسي للأنظمة التي فيه، فالقرآن معجز كله، لفظا ومعنى ونظاما.
وبعد فإن الكتاب الذي بين ايدينا يبحث في النبوة وإثباتها، وقد عرض له القاضي «١» في أكثر من موضع من كتبه، إلا انه تكلم عنه بالتفصيل في كتابين:
(١) ضربنا صفحا عن التعريف بحياة القاضي وثقافته ومؤلفاته لأننا عرضنا لذلك في مقدمتنا لكتابه «شرح الاصول الخمسة» وسيصدر لنا قريبا كتاب خاص عن القاضي عبد الجبار، بالاضافة الى رسالة الدكتوراه التي كانت بعنوان «القاضي عبد الجبار وآراؤه الكلامية» .