وقد كان أبو الحسن بن زهرون الصابي الحراني واحد الطب ببغداد ورئيسه يتسقط جالينوس في صناعة الطب ويستجهله لما ذكرنا من علاجه. وكان أبو الحسن بن/ نفيس وهو أحد رؤساء المتطببين. (وهو أستاذ ابن بكس هذا)«١» .
يعتذر هو وغيره لجالينوس بأن الادوية ما تجري على سنن واحد، وأنها قد تنفع في أمراض بعينها في زمن من الأزمان ثم تضر في تلك الأمراض في زمن آخر.
وكانوا يقولون: اعتبروا بما وجدنا في سني نيف وثلاثين وثلثمائة لما حدث القحط والغلاء ببغداد، وعدم أكثر الناس الاقوات وصاروا مرضى مطرّحين على الطرقات لا دواء لهم ولا غذاء، ونحن نتردد إلى المياسير والملوك نداويهم ونصف لهم التفاح الشامي والبنفسج ويجدونه ويتداوون بما نصف لهم، ولهم من يمرضهم ويخدمهم فيموتون ويبرأ الكثير من أولئك الذين على الطرقات.
واختلاف الأدوية كاختلاف الأغذية، ألا ترى أن أجناس الانعام وذوات الحوافر تغتذي بالاحطاب والأتبان والحشائش المرة الكرهة القاتلة لحيوان آخر من الانس وبالنوى، فيصير هذا الحطب وغيره شحما ولحما ولبنا.
والسمك والخنازير والدجاج وكثير من الحيوان يأكل القذرة ويخلق الله بذلك في أجوافها شحما ولحما ولبنا، والنعام يغتذي بالحصا والنار والحديد ويحمى له سيخ الحديد فيبلعها فتذوب في قوانصه ويخلق الله من ذلك شحما ولحما وبيضا ويدرق الثفل مثل الماء الجاري، والظبي يغتذي بالحنظل ويشرب ماء البحر، والأرانب تغتذي بالأيهل وهو سمّ قاتل، والسقمونيا ترعاه البهائم