للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أجرى العادة بفعل الموت عند ذلك، ونذمّه كما يذم من إلقاء غيره إلى السباع، وكما يذم من سعى بالناس إلى الولاة ودل على أموالهم وإن لم يأخذه الولاة ولا أكلهم السباع، لأن الغالب من ولاة الجور أخذ الأموال ومن السباع الأكل، كذا الغالب فيما أجرى الله به العادة: الموت عند شرب الدواء المسموم والسم، فليس لأحد أن يفعل ذلك، وكذلك لا تلم الساقي ولا الشارب إذا تناول ما جرت العادة بالسلامة معه وإن حدث عقيبه الموت، ألا ترى من أطعم غيره طعاما لذيذا ينفعه به فمرض عقيب ذلك ومات لم نلمه لأن الغالب في العادة السلامة.

ونلوم من سقى غيره سما قاتلا فعوفي وانتفع بذلك أتم منفعة، فإنا نلومه ونضلله ونؤثمه، والرجوع في جميع ذلك إلى غالب العادة.

فان قيل: فلم ابيتم أن يقع الفعل من الجماد والموات بالطبع، قلنا: لو وقع الفعل بأيّ وجه كان من الجماد والموات ومن ليس بحي ولا قادر لكان لا اعتبار بأن يكون الفاعل حيّا قادرا، ولا حاجة بالفعل إلى أن يكون فاعله حيا قادرا، ولوجد البناء والكتابة/ والصياغة وغير ذلك من الانسان وإن جهل وإن عجز وإن اجتهد في أن لا يقع ذلك منه وان مات، فلما لم يقع ذلك منه وهو ميت، وقد علمت وتيقنت أن الفعل لا يقع إلا من الحيّ القادر، وإن كان متسقا محكما ففاعله لا بد عالم.

ولو وقعت الافعال من الجماد والموات بالطبع أو بغير ذلك، لوقع من الحجارة والسحر والماء والنار والهواء وغير ذلك البناء والصباغة والنجارة والكتابة على أن هذه الأشياء كلها دون ما أضافوه إلى الأدوية والسموم من الأفعال، لأن الموت والحياة والعافية والسقم أعظم من الخياطة والكتابة وجميع ما ذكرنا، والعجب لجهل هؤلاء إجازتهم وقوع الحياة والموت والصحة والسقم من الجماد