بالطبع ولا يقع منها كتابة ثلاثة أسطر ولا نساجة بارية طولها ثلاثة أذرع.
فإن قيل: إنكم قد دفعتم الضرورة بقولكم إن الفعل لا يقع من الجماد والموات فنحن نجد الشبع يأكل الخنزير ويزول معه الجوع، وكذا الريّ عند شرب الماء وكل هذا معلوم باضطرار.
قيل له: المعلوم باضطرار زوال الجوع بأكل الخبز والعطش بشرب الماء، هذا لا ينكر ولا ينكره عاقل، فأما من ادّعى أن الفعل للخبز والماء، وأنه قد علم ذلك باضطرار، فقد ركب جهلا، لأن الحيّ الناطق العاقل المستطيع ليس يعلم ما يقع منه من الكتابة والبناء أن فعله باضطرار، وإنما يعلم ذلك باستدلال.
ألا ترى أن العقلاء يختلفون في ذلك، فيقول المنجمون ان من وقع منه الوفاء والعدل فذلك من فعل/ المشتري، ومن وقع منه الجور والغدر فذلك من فعل المريخ فيه، ويقسمون الأفعال كلها على ذلك، ويجعلونها لغير من ظهرت منه.
وكذا تقول المنانية، فتجعل ذلك للنور والظلام، ويقولون آخرون إنه لحملة الفلك والكواكب في حيوان الأرض، ويقول المجبرة: إنه من فعل الله فيهم، فإذا كان فعل الحيّ القادر العالم ليس يعلم أنه هو الفاعل له باضطرار، فكيف صرتم أنتم تعلمون باضطرار أن الاحراق فعل النار، والشبع فعل الخبز، والذي فعل الماء والعافية فعل الدواء بالضرورة، وهذا قول من لم يعرف فعلا ولا فاعلا قط.
وان كان حكم النار مخالفا لحكم الدواء والخبز والماء، لأن النار قد خلق الله فيها الحرارة والاعتماد صعدا، فهي اله للعباد في الاحراق والتقطيع،