للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان مما يسأل عنه هؤلاء الدعاة الذين قدمنا ذكرهم قوله صلّى الله عليه وسلم: «صوموا تصحوا» قالوا «١» : فها هنا من يصوم فيسقم وربما تلف، قيل لهم: هذا القول قاله لمن يصلح بالصوم ويحتاج إلى الصوم، وقد عقل المخاطبون ذلك عنه، ألا ترى أنه قال لهم بأن المسافر والمريض والهرم لا صيام عليه، وأن الفرض يسقط عنه، وهكذا شرع وبيّن، فتلا عليهم ما أوحى إليه ربه عز وجل/.

وكان مما يسألون عنه، قوله صلّى الله عليه وسلم «سافروا تغنموا» و «بورك لأمتي في بكورها» قالوا: وقد وجدنا من يسافر فلا يغنم ومن يبكر فربما سلب أو قتل «٢» ، قيل لهم: قد مضى الجواب في مثل هذا، وهو أنه صلّى الله عليه وسلم أمر بذلك من يحتاج إليه ليفعله على الوجه الذي يغلب على عقله أنه يسلم وينتفع، ألا ترى أنه صلّى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك المرضى والزمنى ولا في الأوقات المحرقة، بل قد نهى عن ذلك وتلا عليهم الوحي قوله عز وجل: «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» «٣» وقوله «وَخُذُوا حِذْرَكُمْ» «٤» فقد عقل أولئك الذين خاطبهم عنه صلّى الله عليه وسلم مراده في ذلك، وأنه ما أمر بذلك في كل حال، وإن كان هناك مطر مانع أو برد أو حر أو عدو مخوف، وقد نهى صلّى الله عليه وسلم عن ركوب البحر وعن كل ما فيه غرر وخطر، حتى جاء عنه أن من يأت على سطح غير محجر فقد برئت منه الذمة، وأن من ركب البحر عند هيجانه فقد برئت منه الذمة.

ومما يطيعون عليه صلّى الله عليه وسلم قوله: «لو أهديت إليّ ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لاجبت» قالوا: فهذا تعرّض بالناس ورغبة في أموالهم وحيلة على


(١) جاء في هامش الكتاب «تأويل قوله عليه السلام: صوموا تصحوا»
(٢) جاء في الهامش: تأويل قوله عليه السلام: «سافروا تغنموا»
(٣) البقرة ١٩٥
(٤) النساء ١٠٢