إذا كان ذلك وجب أن يكون هذا الفعل وهذا الأثر للشمس، ثم قال: وقد تطلع على جميع الأرض والجبال وأكثرها لا ينبت شيئا، وقد تغيب الشمس عن الأرض مثل مقدار طلوعها عليها من الزمان، فلم وجب أن يكون هذا الأثر لطلوعها دون أن يكون لغيابها، والنبات بحاله.
وقال لهم: قد يحرث الحراث الأرض في وقت الحرث ويسوق إليها الماء ويلقي لها السماد والتراب بحسب حاجتها فتنبت وتريع عند هذا الفعل منه، ومتى لم تحرث ولم تبذر ولم يسق الماء إليها لم تنبت قليلا ولا كثيرا وإن طلعت عليه الشمس والقمر والكواكب، فلو جعلتم هذا الانبات والريع فعلا للفلاح الحراث كان أشبه/ وأقرب من جعله فعلا للشمس لأن الحراث حيّ قادر عالم، ولو كانت الشمس حية قادرة عالمة فإن النبات والريع يجدونه عند فعل الحراث لا عند طلوع الشمس. فكيف والشمس والقمر والكواكب جماد وموات، والعلم بأنها جماد وموات، كالعلم بأن الغيم والبرق والماء والريح والنار والذهب والياقوت والزجاج جماد وموات.
وماني يدّعي في أجسام السماء والأرض كلها قليلها وكثيرها وصغيرها وكبيرها بأنها سميعة بصيرة حساسة دراكة، ولا فرق بين من ادّعى هذا أو ادّعى لشعاع الشمس والقمر كذلك، وأنه كاتب وخطيب، وإنما ذكرنا هذا لتعجب من جهله وجهل أتباعه ومن قال بقوله.
فإن قيل: فلم لا قلتم: إن النبات والريع فعل الحراث كما ألزمتموه مخالفكم؟ قيل له: لو كان ذلك فعله لفعله في كل وقت ولبت في كل وقت ولجاء على ما يدبره من القوة والكثرة، فلما لم يكن كذلك علمت، أنه ليس يفعله وإنما هو شيء قد أجرى الله العادة به عند حرث الحراث وعند طلوع الشمس وقد لا يكون كما قد تقدم ذكر ذلك.