للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نبي ولأنه صادق، وطاعة لله وتقربا الى الله، واستبدلوا باتباعه بالعز ذلا وبالراحة كدا ابتغاء مرضات الله، وتكلفوا في اجابته بتلك الشدائد التي قد قدمنا شرحها، فكيف اقاموا عليه وهو يكذب هذا الكذب الظاهر.

وهناك من اعدائه قريش والعرب واليهود والنصارى وكيدهم عظيم، كيف لم يوافقوا على هذا ويجمعوا الناس عليه؟ وكيف لم يقولوا لأصحابه وهم إخوانهم واولادهم ومنهم: يا هؤلاء، فارقتم أديانكم، وجهلتم اسلافكم، واكفرتم آباءكم وشهدتم عليهم بالفضيحة، طاعة لرجل فرض عليكم مجاهدة الأمم، وبذل دمائكم واموالكم في ذلك، وألزمكم التكاليف الشديدة من شريعته، وهو يكذب هذا الكذب الظاهر البارز للعقول/ والأبصار؟ وفي تركهم لذلك دليل على صحة هذه المعجزة.

وأعجب الامور انه يتلو عليهم قول الله جل وعز: «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ «١» » اي لا يجدوا بك كذابا، ولا يجدون في قولك كذبا وإن حرصوا على ذلك واستفرغوا وسعهم، ولو قدروا ان يجدوا له عثرة او ذلة او ادنى شبهة لما واثبه قبل الناس كلهم إلا اصحابه، ولا قبله إلا خاصته وثقاته وبطانته.

فإن قيل: فلعلهم لم يفعلوا هذا به وإن وقفوا على كذبه لئلا يفضحوا أنفسهم ويشمتوا عدوهم، ولئلا يقول الناس لهم خدعتم فامسكوا لهذا.

قيل له: هذا لا يسأل عنه مميز، لأنه إن كان قد كذب فأقاموا عليه وقد عرفوا كذبه، فقد تعجلوا الفضيحة بإقامتهم عليه وأشمتوا بنفوسهم


(١) الانعام ٣٣