تعاطاه صلّى الله عليه وسلم/ ثم اكتتم عليه، لكان ذلك من اكبر آياته وأعظم معجزاته، فاذا العادة قد انتقضت به، فقد اعطاه الخصم اكثر مما ادّعى، ولو جاز ان يخفى ذلك ويتستر على احد من الناس، لما استتر ذلك على محمد صلّى الله عليه وسلم لأن عدوّه وطالبه والمتتبع لأمره والمفتش عن احواله من قريش والأقربين من أهله ومن دهاة اليهود والنصارى وغيرهم كثير، والطلب منهم شديد ودعواه النفسية عظيمة، وقد ادّعى عليم الفرية والكذب ولنفسه الصدق، وحجته عليم ألا يكذب في شيء ولا يناقض، ثم إن الذين اتبعوه لأنه نبي وصادق.
وقد عرف عدوه ووليّه منشأه ومتقلبه ومثواه، ومعهم سافر، وبينهم تربى ونشأ، وأزواجه إنما هنّ بنات اعدائه وأوليائه الذين اعتقدوا صدق نبوته، وهن ممن يعتقد صدقه ونبوته، فمن هذه سبيله، يتعلم الكتابة بالقلم الواحد او بالأقلام المختلفة، ويكتب ويقرأ، ويختلف الى اهل هذه اللغات ويصحبهم ويأخذ عنهم، ويتستر ذلك على اهله ونسائه وعدوه ووليه؟ هذا لا يعتقده من تأمل الامور وتدبرها. بل لو كان ذلك له صلّى الله عليه وسلم يوما واحدا او ساعة واحدة، لعلم به الأولون والآخرون للاحوال التي اختص بها مما قدمنا ذكره. ولا فرق بين من ادّعى هذا عليه، او ادعى انه قد كان مرة تهوّد وأظهر اليهوديّة، وخرج فأقام مرة ببابك، ومرة ببيت المقدس، وأنه كان مرة تنصّر ولبس المسوح وأقام في البيع، وخرج مرة وأقام ببلاد الروم وصام صوم النصارى وأفام أعيادهم وكان يحلق وسط رأسه كصنع الرهبان، وأن ذلك/ كله تم له وخفي على اهله ونسائه وعدوه ووليه.
فتأمل رحمك الله هذه الآية فإنها عظيمة جليلة، ولو لم يكن له الا هي لكفت وأغنت. وانظر كيف يقول، قد اقتص قصة نوح عليه السلام ثم قال في آخرها: (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ. ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا