للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه" (١).

عباد الله! بدأ الرحيل إلى الحبشة تسللاً في الخفاء، حتى لا تستيقظ قريش للأمر فتحبطه، ولم يبدأ كذلك على نطاق واسع، فتسلل بضعة عشر رجلاً وامرأة كان على رأسهم عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وزوجته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى انتهى إلى مسامعهم أن الاضطهاد والتعذيب والتضييق على المسلمين في مكة قد خفت وطأته، وترك الكفار المسلمين أحراراً، فعاد المسلمون من الحبشة إلى ديارهم وأرضهم وأهليهم، فبينما هم على مشارف مكة إذ تأكدوا أن الأخبار التي وصلتهم غير صحيحة، وكانت قريش قد أغاظها خروج هؤلاء النفر من بينهم دون علمهم، فلما سمعوا بعودتهم أخذوهم وساموهم سوء العذاب، إلا نفراً قليلاً منهم قد دخلوا في جوار بعض سادات قريش.

عباد الله! لما اشتد الاضطهاد والتعذيب والإيذاء بالمسلمين في مكة بعد عودة المهاجرين أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه بالهجرة مرة ثانية إلى الحبشة.

عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: "لما نزلنا أرض الحبشة، جاورنا بها خير جارٍ، النجاشي، أمنَّا على ديننا، وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئاً نكرهه.

فلما بلغ ذلك قريشاً، ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما


(١) انظر "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص ١٧٠).