للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالت: يأساً منه لما كان يرى من غلظته وقسوته على الإِسلام" (١).

عباد الله! ولكن الله -تبارك وتعالى- القادر على كل شيء -كما أنه يحيي الأرض بعد موتها- كذلك يحيى القلوب القاسية بعد موتها.

ولذلك لما ذكر الله في كتابه قسوة قلوب أهل الكتاب محذراً منها، عقَّب على ذلك بذكر قدرته على إحياء الأرض الميتة حتى لا ييأس أصحاب القلوب القاسية من إحيائها.

فقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧)} [الحديد: ١٦ - ١٧].

وقد علم الله -عز وجل- أن قسوة قلب عمر قسوة عارضة لا مستحكمة، ولا دائمة، ولذلك هيأ له الأسباب للإسلام، وإذا أراد الله شيئاً هيأ له أسبابه ليكون.

عباد الله! ومن أسباب إسلام عمر بن الخطاب:

أولاً: سماعه للقرآن الكريم: فالقرآن هو كلام الله، له تأثير في القلوب.

فيروى عن عمر أنه قال: "خرجت أتعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، قال:

فقرأ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١)} [الحاقة: ٤٠ - ٤١]، قلت: كاهن، قال: {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢)}


(١) انظر "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص ١٨٩).