عباد الله! أما المنافقون فسلكوا مسالك شتى، فمنهم من اعتذر قبل الخروج وتعلل بالعلل الباطلة، قال تعالى عنهم: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (٤٩)} التوبة: ٤٩]. فأذن لهم النبي- صلى الله عليه وسلم - فقال الله تعالى لنبيه- صلى الله عليه وسلم -: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (٤٣)} [التوبة: ٤٣].
ثم قال الله عَزَّ وَجَلَّ لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥)} [التوبة: ٤٤ - ٤٥].
ومنهم من أخذ يثبط هِمَمَ الناس، قائلين لهم: لا تنفروا في الحرِّ فأنزل الله تعالى فيهم: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢)} [التوبة: ٨١ - ٨٢].
[العنصر الثالث: أحداث في الطريق، والوصول إلى تبوك]
عباد الله! في يوم الخميس من شهر رجبٍ من السنة التاسعة للهجرة، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجيش المسلمين من المدينة، قاصداً غزو الروم؛ واستخلف على المدينة محمَّد بن مسلمة - رضي الله عنه - وخلَّف علياً - رضي الله عنه - على أهله فناله المنافقون بألسنتهم، وقالوا: ما خلَّفه إلا استثقالاً له، وتخففاً منه فسمعها عليٌّ فأخذ سلاحه وانطلق يعدو خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتاه فقال: يا رسول الله! قال المنافقون: إنك خلَّفتني استثقالاً لي وتخفُّفاً مني فقال - صلى الله عليه وسلم -: