للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذبوا، كذبوا، ارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون مِن موسى؛ إلا أنه لا نبي بعدي" (١).

عباد الله! وانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثين ألف مقاتل عبر الصحراء إلى تبوك، وفي الطريق أصاب جيش المسلمين جوع شديد؛ لأنَّ الزمان كان زمان عُسرةٍ، فلما تجهَّزوا لم يتجهزوا بما يكفيهم، إنما تجهزوا بما وجدوا.

يقول أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: لما كانت غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا- جمع ناضحٍ وهي الإبل التي يسقى عليها- فنأكل وندَّهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "افعلوا"، فجاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: يا رسول الله! لا تفعل، إنهم إن فعلوا نفذ الظهر -وهو ما يُحمل عليه من الإبل- ولا يجدون ما يركبون، ولكن يا رسول الله ادعهُم بفضل أزوادهم ثم ادع الله لهم بالبركة، فعسى الله أن يفعل.

فدعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) -أي: بساطٍ من الجلد- فبسطهُ، وأمرهم أن يأتوا بأزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكفٍ من ذرة، وآخر يجيء بكف من تمر، وثالث يجيء بكسرة خبز حتى اجتمع على النَّطع شيءٌ قليل من الزاد، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - ربَّه بالبركة في الطعام، فبارك الله لهم في الطعام فقال - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا واملأوا أوعيتكم" فملأوا أوعيتهم حتى لم يبق في الجيش وعاء إلا مُلئ.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أشهدُ أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله، لا يلقى الله بها عبدٌ غير شاكٍ فيحجبُ عن الجنة" (٢).


(١) أصل الحديث: متفق عليه، انظر "البداية والنهاية" (٧/ ٥).
(٢) رواه مسلم (رقم ٢٧).