للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بردة له في ظل الكعبة- ولقد لقينا من المشركين شدة-، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال- صلى الله عليه وسلم -: "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشي بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" (١).

تربية في بادئ الأمر على الصفح والعفو والصبر الجميل.

[العنصر الثاني: مشروعية القتال.]

عباد الله! كفار مكة يتفننون في أساليب الاعتداء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ ليصدوهم عن دينهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يقابلون ذلك بالعفو والصفح الجميل، ولما وصل الاعتداء قمته بتدبير مؤامرة لاغتيال النبي - صلى الله عليه وسلم -، اضطر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أن يهاجروا من مكة إلى المدينة، قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠)} [الأنفال: ٣٠].

عباد الله! عندما وصل النبي- صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة مهاجراً من مكة بدأ أولاً ببناء المسجد، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، ثم عقد معاهدة مع اليهود -الذين يسكنون معه في المدينة- تقتضي أن يكون المسلمون واليهود يداً واحدة ضد كل من قصد المدينة بسوء- وهذا ما يسمى في لغة العصر تأمين


(١) رواه البخاري (رقم ٣٦١٢).