للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحدث الثالث: بناء الكعبة وقضية التحكيم.]

عباد الله! أما بناء الكعبة وقضية التحكيم. فكانت قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمس سنوات على الراجح. فالله -عز وجل- يقول في كتابه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران:٩٦ - ٩٧].

وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أول مسجد وضع في الأرض. قال: "المسجد الحرام" قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى" قلت: وكم بينهما؟ قال: "أربعون سنة" (١).

فيا أمة الإِسلام! كما أنكم لا تقصّرون أبداً في بيت الله الحرام، فاحذروا أن تقصِّروا في المسجد الأقصى، فالله سائلكم يوم القيامة عن تقصيركم في هذا المسجد الذي دنسته اليهود على مسمع من الجميع.

عباد الله! وأما قصة بناء البيت الحرام فهي:

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ولما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان جاء إبراهيم بها -أي بأم إسماعيل- وبابنها إسماعيل- وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحدٌ، وليس بها ماء، فوضعها هنالك، ووضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفّى إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً وجعل لا يلتف إليها فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات، ورفع يديه فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري (رقم ٣٣٦٦)، ومسلم (رقم ٥٢٠).