رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧)} [إبراهيم: ٣٧]، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء، عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى -أو قال: يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً، وأخذت أم إسماعيل تنتقل من الصفا إلى المروة فعلت ذلك سبع مرات إلى أن ظهر الماء بإذن الذي يقول للشيء كن فيكون، فشربت أم إسماعيل وأرضعت ولدها فقال لها الملك -وهو جبريل عليه السلام- لا تخافوا الضيعة فإن ها هنا بيت الله، يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله"
ومرت الأيام وكبر إسماعيل عليه السلام - وتزوج وكان إبراهيم عليه السلام يذهب لزيارتهم أحياناً، ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال: يا إسماعيل! إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتاً. وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها.
قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧)} (١).
(١) انظر كتاب "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص ٤٠ - ٤٢).