للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: نقول والله ما قال الله وما جاء به نبينا، كائنا في ذلك ما هو كائن. فلما دخلوا عليه، قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟

فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.

قالت: فضرب النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ منها عوداً ثم قال: ما عدا (١) عيسى ابن مريم ما قلت؛ هذا العود. فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم -الآمنون- من سبكم غُرِّم، ثم من سبكم غُرِّم ثم من سبكم غرم، فما أحب أن لي دبراً ذهباً -أي جبلاً ذهباً- وإني آذيت رجلاً منكم، ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه.

قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار" (٢).

عباد الله! أما الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ مما سمعنا فهي:

أولاً: يجب على العبد المسلم أن يهاجر من البلد التي لم يتمكن فيها من عبادة ربه، إلى بلد آخر يتمكن فيها من عبادة ربه، فقد هاجر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة عندما ضُيق عليهم إلى الحبشة ليتمكنوا من عبادة ربهم، وقد هاجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - وهو أفضل خلق الله- من مكة -وهي أفضل بلاد الله- ليتمكن هو وأصحابه من عبادة الله -عز وجل-.


(١) ما تجاوز.
(٢) إسناده حسن، انظر "مسند الإِمام أحمد" رقم (١٧٤٠ - ط المؤسسة) و "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص ١٧٠).